THE T(1)P
Well-Known Member
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيطرت دولة المماليك على مصر وبلاد الشام والحجاز حوالي ثلاثة قرون من الزمان (648-923هـ/1250-1517م)، وخلال هذه الفترة شهد لها التاريخ أياد ناصعة البياض كتصديها لأهم خطرين دهما العالم الإسلامي، ونعني الغزو الصليبي والمغولي كما تركت آثاراً عمرانية وعلمية ما زالت تقف شاهدة على عظمة تلك الدولة.
ولكن نظراً للطبيعة العسكرية التي صبغت دولة المماليك، والطريقة القاسية التي تربى بها هؤلاء المماليك منذ سبيهم ثم تنشئتهم حتى وصلوا إلى سدة الحكم، فقد شهدت الدولة أيضاً صوراً سوداء من القسوة والشدة غير المبررة أحياناً.
وخلال هذا الموضوع سوف نستعرض معكم أنواعاً مبتكرة من طرق التعذيب والإعدام شهدتها تلك الفترة مستفيدين مما سطره المؤرخ المصري ابن إياس في كتابه الرائع (بدائع الزهور في وقائع الدهور) والذي عاصر سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، وكان هذا المؤرخ من طبقة (أولاد الناس) أي من ذرية مماليك السلاطين!!، وكأن أبناء المماليك هم أولاد الناس أما بقية الشعب فهم أبناء الرعاع حسب قيم تلك الأزمنة المقلوبة!!
أولاَ: طرق التعذيب والعقاب
(العصر)
وهي من طرق التعذيب، وكان يتم خلالها عصر أعضاء الإنسان بالحبال وغيرها من أجل إجباره على الاعتراف، وغالباً يطلب من الضحية الإخبار عن الأموال المخبأة، ومن الأمثلة التي ذكرها ابن إياس للمعصورين:
ففي سنة 689هـ، وبأمر السلطان خليل بن قلاوون قبض قائد اسمه الشجاعي على حاشية الأمير طرنطاي، وقبض على نسائه وسراريه، وأحضر لهم المعاصير، فعصرهم، وقررهم على الأموال والذخائر.
وبعد أربع سنوات تم قتل الشجاعي، وطيف برأسه في شوارع مصر والقاهرة على رمح، وكان الناس يعطون لحاملي الرمح أموالاً مقابل أن يدخلوا بالرأس لبيوتهم، وما زالوا يصفعونها بالقباقيب والنعال، وربما كانوا يبولون عليها، واستمر الأمر كذلك لثلاثة أيام.
وفي سنة 800هـ اشتد غضب السلطان على ابن الطبلاوي، فأمر يلغبا الأحمدي بأن يعاقبه، فنزل به إلى بيته، وعاقبه وعصره بالمعاصير في أكعابه، وسقاه الجير بالملح، وضربه بالكسارات.
وفي سنة 905هـ قبض السلطان جان بلاط على الطواشي يسأله عن مكان السلطان السابق الظاهر قانصوه الذي كان مختفياً، فأقر أن زوجته تعرف طريقه، فبعث إليها السلطان الأمير طراباي، فسألها عنه، فلم تقر بشيء، فأحضر إليها المعاصير، وعصرها في رجليها، فلم تقر بشيء.
في سنة 910هـ عاقب السلطان قانصوه بدر الدين بن مزهر، وعصره في أكعابه ووركه، ودق القصب في أصابعه، وأحرقها بالنار حتى وقعت عقد أصابعه. ثم نوعوا له أنواع العذاب، فأخذوا له كماشة حديد، وأحموها بالنار، واختطفوا بها أبزازه، وأطعموها له. ثم أخذوا له حبل قنب، ولووه على أصداغه حتى نفرت عيناه من وجهه، وسالت على خديه حتى توفي تحت العقوبة.
وفي أيام السلطان قانصوه الغوري قبض على شموال اليهودي الصيرفي، وعاقبه، وعصره هو وزوجته، واستخرج منه فوق الخمسمائة ألف دينار، واستمر يعاقبهما حتى ماتا تحت العقوبة.
وفي سنة 921هـ عاقب الوالي قائداً يدعى جاني بيك، وطالبه بمال، فقال: (ما بقي معي شيء غير روحي، فخذوها)، فضربوه كسارات على ركبه، وقيل عصروه في أصداغه حتى أشرف على الموت.
(التعرية)
وهي طريقة كانت تستخدم لإذلال الضحية عبر تعريته، وخلع عمامته، وكان في ذلك أبلغ إذلال له.
ففي سنة 917هـ تغير خاطر السلطان قانصوه على القاضي أبي البقاء ناظر الإسطبل، فوضعه في الحديد، وعراه من أثوابه، وكشف رأسه، وكان ذلك في قوة البرد، ونزل من القلعة، وهو ماشي عريان مكشوف الرأس في الحديد، وحلف السلطان بحياة رأسه أنه لا يلبس أثوابه ولا عمامته حتى يغلق ما قرره عليه من أموال، ورسم للوالي بأن يقعده على البلاط من غير فرش.
(التجريس والتشهير)
وهي طريقة لفضح الضحية عبر إركابه على حمار، والتجوال به في الشوارع، والمناداة عليه بما فعل ليكون عبرة لغيره.
ففي سنة 910هـ نودي في القاهرة من قبل السلطان بأن لا يعمل عزاء بِِطارات، ولا نائحة تنوح على ميت ثم غمز على نائحة عملت عزاء بطارات، فجرسها بركات بن موسى على حمار، والطارات معلقة في عنقها، ووجهها ملطخ بالسواد.
(التعليق)
وهي طريقة للتعذيب حيث يعلق الضحية منكوساً.
ففي سنة 792هـ غضب السلطان الظاهر برقوق على الصاحب فخر الدين بن مكانس، وضربه علقة قوية ثم علقه من رجله بسرياق، فأقام وهو منكوس على رأسه نصف نهار ثم أن بعض الأمراء شفع فيه، فأنزلوه.
(الضرب)
وهي الطريقة المعهودة في التعذيب منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا، ولكن كان للمماليك تفنن خاص به!!
ففي سنة 874هـ قبض السلطان قايتباي على زين الدين الأستادار، وأحضره بين يديه، ووبخه بالكلام ثم أمر بضربه بين يديه، فضرب ضرباً مبرحاً حتى كاد أن يهلك ثم سجنه بالبرج الذي بالقلعة، وصار يحضره بين يديه كل يوم، ويضربه بأشد الضرب، فمات وهو في البرج، فلما أعلموا السلطان بذلك لم يصدق بموته، وأمر بإحضاره بين يديه وهو ميت، فكشف عن وجهه، ورفسه برجله.
وفي سنة 882هـ تغير خاطر السلطان قايتباي على برهان الدين النابلسي وكيل بيت مال المسلمين، فقبض عليه، وسلمه للأمير يشبك يعاقبه، واستخلص منه جملة أموال لها صورة، وآخر الأمر مات تحت العقوبة شر موتة، وقد أذاقه أنواع العذاب، وتفنن في تعذيبه تفنناً زائداً، فقيل أنه ضربه عدة مرات نحواً من ألفين وستمائة عصا، وقلع أضراسه، ودقها في رأسه.
في شعبان 909هـ قبض قاضي القضاة على محمد بن يوسف الذي كان ناظر الأوقاف، فضربه ضرباً مبرحاً، وأشهره في القاهرة على حمار، وهو عريان مكشوف الرأس لأمر أوجب ذلك.
وفي سنة 916هـ عرض السلطان قانصوه معين الدين بن شمس الذي تغير خاطره عليه، فضربه بالمقارع بين يديه نحواً من مائة (شبيب) حتى أشرف على الموت.
وفي سنة 922هـ قبض على شخص أعجمي كان يصنع السنبوسك عند قناطر السباع، فوجدوه قد عمد إلى كلب أسود سمين، فذبحه، وسلخه، وعمل منه السنبوسك، فلما قبضوا عليه أحضروه بين يدي المحتسب، فضرب الأعجمي بالمقارع، وأشهره في القاهرة، والكلب معلق في رقبته، فطافوا به في المدينة ثم سجنوه في المقشرة.
(التسمير)
وهي طريقة تشبه التجريس، ولكن كان الضحية يسمر فيها على جمل بالمسامير، ويطاف به في الشوارع.
ففي سنة 885هـ تغير خاطر السلطان على القاضي تاج الدين بن المقسي ناظر الخاصكان، فرسم بتسميره، فسمر على جمل، وطيف به في القاهرة، وتوجهوا به إلى قنطرة الحاجب ليوسطوه هناك، فلما وصل إلى هناك وقعت فيه شفاعة، فعادوا به، وقد أركبوه على فرس، وفرح الناس بسلامته.
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيطرت دولة المماليك على مصر وبلاد الشام والحجاز حوالي ثلاثة قرون من الزمان (648-923هـ/1250-1517م)، وخلال هذه الفترة شهد لها التاريخ أياد ناصعة البياض كتصديها لأهم خطرين دهما العالم الإسلامي، ونعني الغزو الصليبي والمغولي كما تركت آثاراً عمرانية وعلمية ما زالت تقف شاهدة على عظمة تلك الدولة.
ولكن نظراً للطبيعة العسكرية التي صبغت دولة المماليك، والطريقة القاسية التي تربى بها هؤلاء المماليك منذ سبيهم ثم تنشئتهم حتى وصلوا إلى سدة الحكم، فقد شهدت الدولة أيضاً صوراً سوداء من القسوة والشدة غير المبررة أحياناً.
وخلال هذا الموضوع سوف نستعرض معكم أنواعاً مبتكرة من طرق التعذيب والإعدام شهدتها تلك الفترة مستفيدين مما سطره المؤرخ المصري ابن إياس في كتابه الرائع (بدائع الزهور في وقائع الدهور) والذي عاصر سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، وكان هذا المؤرخ من طبقة (أولاد الناس) أي من ذرية مماليك السلاطين!!، وكأن أبناء المماليك هم أولاد الناس أما بقية الشعب فهم أبناء الرعاع حسب قيم تلك الأزمنة المقلوبة!!
أولاَ: طرق التعذيب والعقاب
(العصر)
وهي من طرق التعذيب، وكان يتم خلالها عصر أعضاء الإنسان بالحبال وغيرها من أجل إجباره على الاعتراف، وغالباً يطلب من الضحية الإخبار عن الأموال المخبأة، ومن الأمثلة التي ذكرها ابن إياس للمعصورين:
ففي سنة 689هـ، وبأمر السلطان خليل بن قلاوون قبض قائد اسمه الشجاعي على حاشية الأمير طرنطاي، وقبض على نسائه وسراريه، وأحضر لهم المعاصير، فعصرهم، وقررهم على الأموال والذخائر.
وبعد أربع سنوات تم قتل الشجاعي، وطيف برأسه في شوارع مصر والقاهرة على رمح، وكان الناس يعطون لحاملي الرمح أموالاً مقابل أن يدخلوا بالرأس لبيوتهم، وما زالوا يصفعونها بالقباقيب والنعال، وربما كانوا يبولون عليها، واستمر الأمر كذلك لثلاثة أيام.
وفي سنة 800هـ اشتد غضب السلطان على ابن الطبلاوي، فأمر يلغبا الأحمدي بأن يعاقبه، فنزل به إلى بيته، وعاقبه وعصره بالمعاصير في أكعابه، وسقاه الجير بالملح، وضربه بالكسارات.
وفي سنة 905هـ قبض السلطان جان بلاط على الطواشي يسأله عن مكان السلطان السابق الظاهر قانصوه الذي كان مختفياً، فأقر أن زوجته تعرف طريقه، فبعث إليها السلطان الأمير طراباي، فسألها عنه، فلم تقر بشيء، فأحضر إليها المعاصير، وعصرها في رجليها، فلم تقر بشيء.
في سنة 910هـ عاقب السلطان قانصوه بدر الدين بن مزهر، وعصره في أكعابه ووركه، ودق القصب في أصابعه، وأحرقها بالنار حتى وقعت عقد أصابعه. ثم نوعوا له أنواع العذاب، فأخذوا له كماشة حديد، وأحموها بالنار، واختطفوا بها أبزازه، وأطعموها له. ثم أخذوا له حبل قنب، ولووه على أصداغه حتى نفرت عيناه من وجهه، وسالت على خديه حتى توفي تحت العقوبة.
وفي أيام السلطان قانصوه الغوري قبض على شموال اليهودي الصيرفي، وعاقبه، وعصره هو وزوجته، واستخرج منه فوق الخمسمائة ألف دينار، واستمر يعاقبهما حتى ماتا تحت العقوبة.
وفي سنة 921هـ عاقب الوالي قائداً يدعى جاني بيك، وطالبه بمال، فقال: (ما بقي معي شيء غير روحي، فخذوها)، فضربوه كسارات على ركبه، وقيل عصروه في أصداغه حتى أشرف على الموت.
(التعرية)
وهي طريقة كانت تستخدم لإذلال الضحية عبر تعريته، وخلع عمامته، وكان في ذلك أبلغ إذلال له.
ففي سنة 917هـ تغير خاطر السلطان قانصوه على القاضي أبي البقاء ناظر الإسطبل، فوضعه في الحديد، وعراه من أثوابه، وكشف رأسه، وكان ذلك في قوة البرد، ونزل من القلعة، وهو ماشي عريان مكشوف الرأس في الحديد، وحلف السلطان بحياة رأسه أنه لا يلبس أثوابه ولا عمامته حتى يغلق ما قرره عليه من أموال، ورسم للوالي بأن يقعده على البلاط من غير فرش.
(التجريس والتشهير)
وهي طريقة لفضح الضحية عبر إركابه على حمار، والتجوال به في الشوارع، والمناداة عليه بما فعل ليكون عبرة لغيره.
ففي سنة 910هـ نودي في القاهرة من قبل السلطان بأن لا يعمل عزاء بِِطارات، ولا نائحة تنوح على ميت ثم غمز على نائحة عملت عزاء بطارات، فجرسها بركات بن موسى على حمار، والطارات معلقة في عنقها، ووجهها ملطخ بالسواد.
(التعليق)
وهي طريقة للتعذيب حيث يعلق الضحية منكوساً.
ففي سنة 792هـ غضب السلطان الظاهر برقوق على الصاحب فخر الدين بن مكانس، وضربه علقة قوية ثم علقه من رجله بسرياق، فأقام وهو منكوس على رأسه نصف نهار ثم أن بعض الأمراء شفع فيه، فأنزلوه.
(الضرب)
وهي الطريقة المعهودة في التعذيب منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا، ولكن كان للمماليك تفنن خاص به!!
ففي سنة 874هـ قبض السلطان قايتباي على زين الدين الأستادار، وأحضره بين يديه، ووبخه بالكلام ثم أمر بضربه بين يديه، فضرب ضرباً مبرحاً حتى كاد أن يهلك ثم سجنه بالبرج الذي بالقلعة، وصار يحضره بين يديه كل يوم، ويضربه بأشد الضرب، فمات وهو في البرج، فلما أعلموا السلطان بذلك لم يصدق بموته، وأمر بإحضاره بين يديه وهو ميت، فكشف عن وجهه، ورفسه برجله.
وفي سنة 882هـ تغير خاطر السلطان قايتباي على برهان الدين النابلسي وكيل بيت مال المسلمين، فقبض عليه، وسلمه للأمير يشبك يعاقبه، واستخلص منه جملة أموال لها صورة، وآخر الأمر مات تحت العقوبة شر موتة، وقد أذاقه أنواع العذاب، وتفنن في تعذيبه تفنناً زائداً، فقيل أنه ضربه عدة مرات نحواً من ألفين وستمائة عصا، وقلع أضراسه، ودقها في رأسه.
في شعبان 909هـ قبض قاضي القضاة على محمد بن يوسف الذي كان ناظر الأوقاف، فضربه ضرباً مبرحاً، وأشهره في القاهرة على حمار، وهو عريان مكشوف الرأس لأمر أوجب ذلك.
وفي سنة 916هـ عرض السلطان قانصوه معين الدين بن شمس الذي تغير خاطره عليه، فضربه بالمقارع بين يديه نحواً من مائة (شبيب) حتى أشرف على الموت.
وفي سنة 922هـ قبض على شخص أعجمي كان يصنع السنبوسك عند قناطر السباع، فوجدوه قد عمد إلى كلب أسود سمين، فذبحه، وسلخه، وعمل منه السنبوسك، فلما قبضوا عليه أحضروه بين يدي المحتسب، فضرب الأعجمي بالمقارع، وأشهره في القاهرة، والكلب معلق في رقبته، فطافوا به في المدينة ثم سجنوه في المقشرة.
(التسمير)
وهي طريقة تشبه التجريس، ولكن كان الضحية يسمر فيها على جمل بالمسامير، ويطاف به في الشوارع.
ففي سنة 885هـ تغير خاطر السلطان على القاضي تاج الدين بن المقسي ناظر الخاصكان، فرسم بتسميره، فسمر على جمل، وطيف به في القاهرة، وتوجهوا به إلى قنطرة الحاجب ليوسطوه هناك، فلما وصل إلى هناك وقعت فيه شفاعة، فعادوا به، وقد أركبوه على فرس، وفرح الناس بسلامته.
يتبع