omran
Well-Known Member
ملاحظه اخوتي ان وردت اي كلمه لا تعجب احد الاخوه اذكرهم ان المقال منقول لروعته وللامانه الصحفيه.... شكرا
إنه اللاعب الوحيد الذي خاض الرحلة كلها، من قمة العالم في برلين، إلى اختفاء كامل وسط دوري الدرجة الثانية، ثم الصعود خطوة خطوة.. حتى قمة العالم مرة أخرى.. وفي برلين أيضاً. جانلويجي بوفون هو تعريف بطل الملحمة، تماماً كما يوجد في الكتب والأساطير القديمة.
(1)
مشهد 1
مدينة برلين – 8 يوليو 2006
ليل/داخلي
يجلس جانلويجي بوفون في غرفته، بالقرب من التلفاز المُغلق صوته، ملامحه جامدة، يتابع على الشاشة قناة إيطالية تنقل خبر استقالة لوتشانو مودجي، المدير الرياضي لنادي يوفنتوس، والتحقيق القضائي المنتظر معه على خلفية التلاعب في نتائج الدوري الإيطالي.
الإضاءة خافتة في الغرفة، لا يُنير وجه «بوفون» إلا الضوء المُتغير الخارج من التلفاز، الرجل الذي خَلَقَ لتوه، مع حفنة من زملائه، واحدة من أعظم لحظات منتخب إيطاليا قبل 4 أيام فقط أمام ألمانيا، سيعيش الساعات القادمة في محاولة مستمرة للحفاظ على عقله من ألا ينفجر قلقاً بفعل ضغط المشاعر، بين توتر نهائي كأس العالم أمام فرنسا.. وبين البركان الذي يتظره في إيطاليا عند عودته، سواء كان حاملاً للكأسِ أو بدونه.
يفيق «بوفون» من أفكاره على صوتِ خبطات خافتة للغاية على باب الغرفة، يقترب منه، ويحاول الإنصات، قبل أن يستمع للطرقِ من جديد. يسأل بتوتر ملحوظ: «من على الباب؟».. نسمع صوت الطارق «إنه أنا.. فابيو». يتنفس «بوفون» بعمق ويفتح الباب. يدخل فابيو.. فابيو كانافارو.
بوفون: لماذا أنت مستيقظ حتى الآن؟ لو رآك «ليبي» ستكون كارثة
كانافارو: لم أستطع النوم مطلقاً، لابد أنك تعلم وإلا ما كنت مستيقظاً حتى الآن
*يهزّ بوفون رأسه.. يدخل كانافارو وينظر نحو التلفاز.. يتحرك بوفون ويغلقه سريعاً*
كانافارو: لا يمكن الهروب من الأخبار التي تأتي من هناك
بوفون: نعم فابيو.. الأمور صعبة قليلاً
كانافارو: قليلاً؟ إنها كارثية..مودجي استقال وسمعت أنه قد يذهب إلى السجن، لا أصدق أنهم يفعلون كل ذلك بينما نلعب في كأس العالم
بوفون: الأمور أكبر من قدرة أي شخص على إيقافها، هناك إعلام وقضاء وسياسة
كانافارو *متمتماً دون أن يوجه حديثه لأحد*: نعم.. نعم
بوفون: يجب أن نركز الآن في مباراة بعد غد، لا يمكن لأي شيء أن ينسينا أين نحن، كل ذلك سينسى وما سيذكره الجميع أن إيطاليا فازت بكأس العالم.. أو إيطاليا خسرت نهائي كأس العالم، لا أنوي التنازل عن ذلك طالما جئنا إلى برلين فعلاً
كانافارو: بالتأكيد، ولكن.. تعرف.. لا يمكن منع الأفكار من إثارة القلق، خصوصاً مع حدث بهذا الحجم، عقلي كاد أن ينفجر لذلك جئت إليك
*يرتمي على الكرسي بتعب*
كانافارو: لم أستطع الحديث مع أليساندرو، كان صامتاً جداً في التدريبات، أعرف أن اسمه جاء في التحقيقات
بوفون: نعم، هناك بعض أسماء اللاعبين، ولكن.. فابيو.. لا يجب أن نفكر في كل هذا.. أرجوك
كانافارو: نعم، "سيأتي الطوفان حين يأتي الطوفان"، كنت أسمعهم يقولون ذلك في «نابولي» وأنا صغير.. لم تتح ليَ الفرصة مسبقاً لاستخدام المَثل إلا الآن
*يصمتان قليلاً دون قدرة أي منهم على مُداراة التوتر، قبل أن يقطع كانافارو الصمت واقفاً*
كانافارو: سأذهب لمحاولة النوم، فقد أردت محادثة أي شخص خوفاً من أن أُجَن
*بضع خطوات نحو الباب قبل أن يتوقف ثانياً*
كانافارو: جيجي.. أريد سؤالك عن شيء أخير
بوفون: اسأل
كانافارو: لو صح الحكم بهبوط يوفي للدرجة الثالثة.. هل سنبقى في النادي؟
*يتنفس بوفون بقوة موجهاً نظره نحو اللا مكان قبل أن ينظر نحو كانافارو ويقول بثقِل حقيقي*
بوفون: لا أعرف يا فابيو
كانافارو: أقصد أن، السيد «كابيلو» غادر النادي رسمياً يوم الأربعاء، وحدثني في الهاتف يوم الخميس وأخبرني أنه قد يريدني معه في ريـال مدريد، وأنه سينتظر موافقتي بعد انتهاء البطولة والعودة لإيطاليا، وأنا.. لا أعرف.. الدرجة الثالثة شيء أقرب للكابوس
بوفون: لا يمكن لأحد أن يلوم على المغادرين حين تقارب السفينة على الغرق، إذا كنت تريد نصيحتي فحتى أنا لا أعرف ما قد يحدث، ولكن أتمنى فعلاً أن أمتلك القوة للبقاء حتى نصل إلى الشاطئ
أغلق «كانافارو» الباب دون أن يقول شيئاً، توجه «بوفون» بتعب نحو كرسيه، شغَّل التلفاز ثانية، وبدلاً من أخبار الـ«كالتشيوبولي» كانت القناة تنقل ملخَّص مباراة إيطاليا وألمانيا في مدينة «دورتموند»، على الشاشة كانت عروق «جيجي» نابضة وتكاد تنفجر بعد هدف «جروسو».. أما في الغرفة فملامحه لم تزل جامدة.. يتغير لونها تبعاً للضوء الخارج من الشاشة.
(قطع)
(2)
خيار البقاء لم يكن سهلاً كما يبدو الآن، القضية كانت كبيرة، الفوز بكأس العالم لم يخفف من جدية المساءلة القضائية للتلاعب في نتائج المباريات، «إيطاليا كانت تغلي كالجحيم»، والجميع كان يهرب من يوفنتوس ويذهب إلى مكانٍ جديد.
رافائيل بينتيز، مدرب ليفربول في ذلك الوقت، كان يرغب بشدة في التعاقد مع «بوفون»، أرسين فينجر راقب الموقف من بعيد ليرى احتمالية أن يحرس «جيجي» مرمى أرسنال، بعد أيام قليلة من الفوز بكأس العالم لم يكن هناك وقت للفرحة، بين الذهاب للتحقيق والمساءلة، وبين التفكير المستمر في القرار المصيري: البقاء أو الرحيل؟
سريعاً بدأت الأمور تتضح، من سيبقى ومن سيذهب، خروج فابيو كانافارو وليليان تورام وباتريك فييرا وكان عاصفاً، زلاتان إبراهيموفيتش كان يقاتل يومياً من أجل الذهاب نحو أحد أندية ميلان، بدا خشب السفينة يتشقق بعنف، ولكن قرار «القائد» أليساندرو ديل بييرو ومعه بول نيدفيد وديفيد تريزجيه بالبقاء منح كل مشجعي اليوفي في مدينة «تورينو» أملاً في أن ينتهي كل هذا، خصوصاً مع تقليل العقوبة من دوري الدرجة الثالثة إلى دوري الدرجة الثانية فقط، ما يعني أن عاماً واحداً في الظل ثم العودة إلى الدوري من جديد.
«بوفون» كان يعلم أن قراره بالبقاء سيمنحه ما هو أكثر من كونه «لاعباً مهماً»، سيصبح بطلاً شعبياً للمدينة، رمزاً للفريق، لن يغادر هنا أبداً. النادي سيصير بيتاً، والمشجعون أهلاً، وهو سينتهي هنا من قرار سيتخذه الآن.
وفي ظهيرة يوم حار جداً في «تورينيو»، خرج «بوفون» إلى الصحافة، بتاريخ 19 يوليو 2006، وأخبرهم بكلمة واحدة: «سأبقى».
(3)
مشهد 2
مدينة تورينو – أغسطس 2006
نهار/خارجي
«بوفون» يقف قرب حافلة اللاعبين، يقول أحد المساعدين للمدرب ديديه ديشامب، مدرب الفريق الجديد، أن «زلاتان إبراهيموفيتش» يجلس في غرفته يلعب الـ«بلاي-ستيشن» ويرفض القدوم.
تحرك «ديشامب» بغضبٍ شديد وهو يتمتم «سأقتل هذا الأحمق»، تبادل «بوفون» النظرات مع زملاءه الأكبر في الفريق.. «ديل بييرو» و«نيدفيد»، كانت تبدو الأمور موترة وضاغطة على الجميع.
نستمع لصيحات متعالية غير واضحة من داخل غرفة الفندق، يتحرك «بوفون» إلى الداخل
(قطع)
مشهد 3أ
ممر الفندق
نهار/داخلي
نتحرك مع «بوفون» في الممر، بينما الأصوات تصبح أوضح وليست مجرد صيحات، «ديشامب» كان يقول لـ«إبرا»: «أي نوع من عدم الاحترام اللعين الذي تبديه الآن؟ تجلس هنا لتلعب ونحن لدينا مباراة تحضيرية بعد قليل؟» فيجيب «إبرا»: «لقد قلت 100 مرة أنني لن ألعب أي مباراة وأنني أرغب في الانتقال.. اليوم قبل غدا»، «ديشامب» يصيح بجنون: «سنفرض عليك غرامة مالية، لن نبيعك وسنتركك لتتعفن في غرفتك اللعينة».
مع الجملة الأخيرة يكون «بوفون» قد وصل إلى الباب و«ديشامب» خارجاً منه، أقرب للجنون فعلاً، وحين يراه يقول له بصوتٍ عالي: «لا فائدة جيجي».. ويكمل حركته وهو يقول «سنتحرك بعد 5 دقائق».
الباب نصف مفتوح، و«بوفون» يدخل لـ«إبرا»
مشهد 3ب
غرفة إبراهيموفيتش
نهار/داخلي
«إبرا» يضغط على زر ليكمل اللعب على الـ«بلاي-ستيشن». يقول لـ«بوفون»: هل تريد أن تلعب معي هنا؟ لأني في الحقيقة لا أنوي اللعب معك هناك مرة أخرى
يتابعه «بوفون» لثوانٍ ثم يتحرك بخطوات بطيئة نحو التلفاز، يقف أمامه ويقول بصوت مُتصاعد: «إذا لم تكن تنوي اللعب معي مرة أخرى فلا مانع لدي» قبل أن يصل لدرجة الصراخ وهو يغلق التلفاز وينظر لـ«إبرا»: «ولكن الأقل يمكن أن تعاملني بالاحترام الكافي، لأجل عامين قضيناهم سوياً».
يبدو كل الأكسجين وكأنه قد انسحب من الغرفة في تلك اللحظة. «زلاتان» يشعر بالخجل.
إبرا: آسف جيجي. ولكن.. كما أخبرت الجميع.. لن أكمل هنا مهما حدث
*يبدو بوفون أهدأ بعد الاعتذار، يلتقط نفسه ثم يرد*
بوفون: سيكون من الغباء لو سألتك لماذا، ولكن.. زلاتان.. يمكن النظر للأمر من ناحية أخرى، أن تصبح رمزاً لهذا النادي، لن تنسى لك الجماهير ذلك أبداً أن بقيت
إبرا: جيجي، أنت لا تفهم، تلك سفينة غارقة، ما هو المفيد في أن تصبح قبطاناً لسفينة غارقة؟
بوفون –بعصبية-: هناك نيدفيد وأليساندرو وتريزجيه وأنا وتتحدث عن سفينة غارقة؟ حسناً.. إذا كنت منتمياً لتلك السفينة لن تسأل أصلاً هذا السؤال.. سيكون المهم أن ننقذها فقط.. أن نصل بها إلى الشاطئ
إبرا: أي شاطئ بحق الجحيم؟!! هل تدرك أننا.. أقصد أنكم الآن في الدرجة الثانية مع خصم 30 نقطة؟
بوفون: سنستأنف على ذلك وسيقل عدد النقاط، وسنعود للدرجة الأولى
إبرا: متى؟ بعد عام أو عامين؟ ثم ثلاثة أو أربعة أخرى للعودة إلى أوروبا؟ ربما 10 سنوات كاملة من أجل الفوز بالدوري من جديد أو تحقيق نتائج جيدة في دوري الأبطال؟
بوفون: نعم.. ربما
إبرا: تلك ليست خطة مناسبة لحياتي
بوفون: نعم، هي مناسبة لحياتي أنا *يفتح له التلفاز* لن أعطلك أكثر من ذلك.. يمكنك العودة للعب
يبدأ بوفون في التحرك لخارج الغرفة، يقاطعه صوت «إبراهيموفيتش»
إبرا: جيجي
*ينظر له بوفون*
إبرا: أنا الآن في السادسة والعشرين من عمري، لا يمكنني المخاطرة بأفضل سنواتي في كرة القدم في دوري الدرجة الثانية، سأكبر.. عضلاتي ستتعب.. لا أريد الندم على تلك السنين بعد ذلك
بوفون: مفهوم، ولكن.. هل تعلم لماذا قررت البقاء؟ لأنني أخاف أن أكبر.. عضلاتي تتعب.. لا أصبح «أفضل حارس في العالم» كما يعتبرونني الآن.. ثم ينساني الجميع.. فأندم على تلك السنين التي لم أقضها هنا
يتحرك «بوفون» خارج الغرفة، ويتابع «إبرا» حركته من شباك الغرفة، حتى ركوبه لحافلة اللاعبين
(قطع)
(4)
زلاتان إبراهيموفيتش قضى سنين حياته الكروية الأهم مرتحلاً بين 4 أندية، ولم يندم أبداً على ذلك الصَّخب الذي عاش فيه بعد مغادرة «تورينو» إلى الأبد.
بينما لم يَحْتج يوفنتوس لأكثر من عامٍ واحد من أجل العودة إلى دوري الدرجة الأولى بعد تقليص النقاط المخصومة منه لـ9 فقط بدلاً من 30.
«جيجي» حينها كان مكتفياً بصرخاتِ «الأهل» بالمدرجات في عطلة كل أسبوع طوال موسم كامل، كان من الغريب أن يتغير وضعه في خلال 3 أشهر من «أفضل حارس مرمى في المونديال» وأحد حَملة كأس العالم، إلى لاعب بالـ«سيريا ب»، ولكنه تعامل مع ذلك بحكمة، ولم يركز مع شيء إلا هؤلاء الذين بقى لأجلهم، «ظننت في البداية أنني سأشعر بالغرابة في الدرجة الثانية، والأمر مختلف قليلاً بالطبع، ولكن.. في النهاية إنها مباراة من 90 دقيقة ويجب علينا الفوز، الجمهور يشعرنا بأن شيئاً لم يتغير».
العودة للـ«سيريا أ»، رحيل «ديشان» وقدوم كلاوديو رانيري، إعادة هيكلة الفريق بلاعبين جدد، عصر سيطرة إنتر ميلان، العودة لأوروبا، المركز الثالث ثم الثاني في الدوري، اعتزال بول نيدفيد، رحيل كلاوديو رانيري، إنتر يفوز بالثلاثية، بينما اليوفي يترنح ويسقط للمركز السابع في موسم «فيراري» و«زاكيروني» الكارثي، ديفيد تريزجيه يرحل، ميلان يفوز بالدوري –رفقة زلاتان إبراهيموفيتش!-، بينما الـ«يوفي» يحتل المركز السابع مرة أخرى في موسم لويجي ديل نيري، 5 مواسم من الصعود والهبوط وتبديل المدربين ورحلة سيزيفية فاشلة من أجل البحث عن بطولة كل موسم.
ثم، وفي فترة التحضيرة لموسم 2011-12، اتخذت إدارة النادي قراراً غريباً بالتعاقد مع أنطونيو كونتي كمديرٍ فني للفريق، الرجل الذي يتمثل إنجازه الوحيد في الصعود مع سيينا من الدرجة الثانية للدرجة الأولى، وتعاقدت برفقته مع لاعب تخلى عنه إي.سي ميلان لأنه أصبح عجوزاً في الـ32 من عمره.. صديق قديم جداً لـ«بوفون» يدعى أندريا بيرلو.
كل الأمور كانت تشير لمزيدٍ من الترنح والسيزيفية، ما لم يكن يعرفه أحد أن تلك الخطوة الغريبة في التعاقد مع «كونتي» و«بيرلو» ستبدأ عصراً جديداً للنادي بأكمله.
(5)
مشهد 4
مدينة تورينو – 12 مايو 2012
استاد يوفنتوس
اللوحة الرئيسية للاستاد تُشير إلى نصف ساعة فقط على بدء مباراة الدوري الأخيرة ضد أتلانتا.
اللاعبون بدأوا التدريب في الملعب، وسط صيحات الجماهير، المذيع الداخلي للاستاد يتحدث بحماس عن أن الفوز أو التعادل في مباراة اليوم يجعل يوفنتوس هو الفريق الوحيد في تاريخ الدوري الإيطالي الذي يفوز بالبطولة دون هزيمة، وأن الدرع العائد بعد 6 سنوات كاملة سيتم تسليمه في الملعب، ليصبح الصورة الأخيرة التي ستتذكرها الجماهير عن أسطورتها أليساندرو ديل بييرو الذي سيغادر بعد تلك المباراة.
الصيحات لا تتوقف، يُحضّر المشجعون لدَخْلة في بداية المباراة، عن المَلك الذي عاد ملكاً، وأن تلك هي بطولة الدوري رقم 30 وليس رقم 28 كما تعلن وسائل الإعلام، المُناداة على اللاعبين، الواحد إثر الآخر، مع التوقف طويلاً طويلاً عند أسماء أليساندرو ديل بييرو وجانلويجي بوفون، أساطير النادي الباقية في رحلة الصعود والهبوط.
أنطونيو كونتي يحيي الجماهير هو الآخر، قبل أن يذهب في الملعب إلى «بوفون» و«بيرلو» ويطلب الحديث معهما لدقائق. يقف ثلاثتهم على جانب الملعب.
كونتي: حسناً، من كان يصدق؟
*ينظر للملعب بفخر*
كونتي: كنتما بطلي هذا الموسم، *ينظر لبيرلو* حين تعاقدنا معك في بداية الموسم قالت الصحافة أننا مجانين، أريد أن أعرف رأيهم الآن بعد أن لعبت 37 مباراة كاملة، أكثر من أي لاعب آخر في الفريق كله
بيرلو *بجدية*: ليس من المهم رأيهم، المهم أننا الأبطال
بوفون: منذ عام واحد كنت لأعتبر فوزنا بالبطولة ليس أكثر من وهم، من يصدق أنني منذ ست سنوات فقط كنت ألعب في الدرجة الثانية؟ والآن بطل إيطاليا من جديد
صياح الجمهور يتعالى بجنون كأنهم يستمعون لكلمات قائدهم
كونتي: لا يوجد شيء محدد أريد قوله لكم، أردت فقط أن أشكركم كثيراً على هذا الموسم
بعد المباراة ستكون الاحتفالات، وبعدها إجازة قصيرة، ثم ستذهبون إلى بولندا مع المنتخب ولن يكون هناك أي وقت لنتحدث
أريد أيضاً أن أشارككم بعض الأفكار، لدي آمال كبيرة للموسم المقبل، رحيل أليساندرو قاسٍ بالتأكيد ولكنه مهم لأجل الفريق، هو نفسه تفهم ذلك
ظروفنا المادية ليست جيدة ولكننا نحاول إبرام تعاقدات مفيدة للفريق بالميزانية القليلة، الصحف محقة بشأن كوادرو أسامواه وماوريسيو إيسلا، الأمور تسير جيداً مع «أودينيزي»، كذلك.. *يقترب منهم ويتحدث بصوت أخفت* هناك صفقة مهمة إن استطعنا إنهاءها دون مشاكل، لاعب في الـ19 من عمره ولكنه.. مذهل.. يعاني بعض المشاكل في مانشستر، تحدثت إليه وهو متحمس للعبِ لنا، سيكون إضافة عظيمة
*لاعبو الفريق يتركون الملعب من أجل تبديل ملابسهم استعداداً للمباراة التي على وشكِ البدء*
كونتي: لا أريد أن أعطلكم أكثر، أنا فقط متحمس جداً للمستقبل
الحصول على الدوري بعد محنة السنوات الأخيرة شيء عظيم، ولكن.. يوفنتوس أكبر من ذلك، العام القادم سيكون لدينا أوروبا هي الأولوية بالنسبة لنا
وجه «بيرلو» يظل جامداً، كعادته دائماً، رجل عصابات لا يظهر انفعالاته، بينما تَلمع عينا «جيجي» بشدة.
كونتي:أفهم قيمة دوري الأبطال بالنسبة لك يا جيجي، أنا أيضاً أتمنى تجربة الحصول عليه كمدرب، سيكون عليك أن تخبر اللاعبين عن شعور الفوز به يا أندريه
لنستمتع الآن بمباراتنا الأخيرة، ونذهب لنفعل شيئاً جيداً في بولندا، وحين تعودان.. نتحدث ثانياً
يشكرانه، يرفعان يديهما لتحية الجمهور مرة أخيرة قبل الذهاب لغرفة الملابس، يطلق «بوفون» صرخة قوية.. تحمل ثِقل السنوات الستة الأخيرة كلها.. عروقه النافرة تدفع الأدرينالين غصباً إلى المشجعين، إيطاليا كلها كانت تسمع صوت مدينة تورينو في تلك الظهيرة التي عاد فيها لقب الدوري إلى اليوفي.
(قطع)
(6)
برحيلِ «ديل بييرو»، أصبح «بوفون» هو الذكرى الوحيدة الباقية فوق أرض الملعب على رحلة يوفنتوس من القمة إلى القاع ثم إلى القمة من جديد.
و«بوفون» لم يعتمد فقط على «نوستالجيا» الذكريات، ولكنه، ورغم مرور السنين، ظل واحداً من أفضل حرَّاس العالم وأكثرهم قدرة على صنع الفارق في المواقف الأصعب.
عاد يوفنتوس كبطل إيطاليا مرة أخرى، لثلاثِ سنوات على التوالي، رفقة «كونتي»، الذي يستحق تمثالاً لما فعله من مجدٍ لنادٍ كاد أن يضيع.
العودة لأوروبا كانت جميلة، ظهور قوي في نسخة 2012-13، ثم آخر مخيب في 2013-14، رحيل «كونتي» في نهاية الموسم الأخير كان صاعقاً، الصحف تتحدث، الإعلام يشير إلى خلافات بشأن رغبة الإدارة في بيع «بوجبا» و«فيدال» ورفض المدرب، وفي النهاية رحل هو.. وبقوا هم.
لم يتفاءل أحد بـ«أليجري» عند التعاقد معه في بداية الموسم، خصوصاً مع بدايته المترنحة، قبل أن يضيف للفريق مرونة أكبر من تلك التي كانت موجودة في عهد «كونتي». لقب دوري رابع دون منافسة من أحد في ظل كل المشاكل التي تمر بها الفرق الإيطالية، وقرعة دوري الأبطال خدمت الفريق عند مقابلة الفريق لأسوأ نسخة من بروسيا دورتموند خلال السنوات الأخيرة في دور الـ16 ثم مواجهة موناكو.. أضعف فرق دور الثمانية، ثم؟ اليوفي في قبل نهائي دوري أبطال أوروبا.
كان الفريق الأقل حظوظاً وسط الأربعة، مواجهة ريـال مدريد كانت صعبة، ولكن الصراع البدني الذي اعتمد عليه «أليجري» أتى أثره في النهاية، حيوانات في وسط الملعب لا تتوقف عن الركض، «جرينتا» إيطالية في كل كرة، صورة «كيليني» وهو ينظر للاعبي الريال برأس مصابة وعينين حادتين تختصر كل شيء، وعروق «جيجي» النافرة، التي لم تتغير رغم مرور السنين، تحمل الحكاية كلها.
كم كرة أنقذها «بوفون» في مباراة الذهاب كي تنتهي 2-1؟ كم صيحة أطلقها في مباراة العودة كي يحمس زملاءه على المقاتلة والحفاظ على النتيجة 1-1؟ أي قلب امتلكه ليضخ كل هذا الأدرينالين في شوارع تورينيو بل وإيطاليا كلها وهي ترى فريقاً لها يتأهل للنهائي لأول مرة منذ عام 2010؟
يصيح بعروقٍ تكاد تنفجر.. يصيج من أجل الجميع؟ يصيح لأجلِ نفسه؟ يتذكر السنوات الصعبة التي تلت الفضيحة؟ أم تقتطع الذاكرة هذا الجزء ويعيش فقط سنوات المجد الأخيرة؟ هل هاتف «ديل بييرو» و«نيدفيد» و«تريزجيه» ليشكرهم «لكوننا بقينا معاً»؟ أم تحدث مع «إبراهيموفيتش» ليخبره أنه لم يندم أبداً وأن سنينه الأجمل قُضِيَت هنا؟
«بوفون» سيطير إلى برلين، سيتذكر المرة الأخيرة التي جاء إليها قبل 9 سنوات كاملة، كم كان الوضع صعباً والمَجد جميلاً، سيأمل كثيراً في الفوز على برشلونة ليلة السبت، ورفع دوري أبطال أوروبا في ألمانيا كما رفع كأس العالم قبل ذلك، سيقول لـ«بيرلو» و«بوجبا» و«ماركيزيو» والبقية تلك الجملة التي قالها لـ«كانافارو» ذات ليلة مُقْبضة: «، لا أنوي التنازل عن ذلك طالما جئنا إلى برلين فعلاً»، وستكون –إن حدث الفوز- نهاية مثالية للملحمة الممتدة منذ سنوات.
ولكن لو لم يفز.. ما الذي سيتغير؟ لا شيء.. سيبقى البطل بطلاً.. والملحمة ملحمة.. والحكاية مُستحقة لأن تُرْوَى.
إنه اللاعب الوحيد الذي خاض الرحلة كلها، من قمة العالم في برلين، إلى اختفاء كامل وسط دوري الدرجة الثانية، ثم الصعود خطوة خطوة.. حتى قمة العالم مرة أخرى.. وفي برلين أيضاً. جانلويجي بوفون هو تعريف بطل الملحمة، تماماً كما يوجد في الكتب والأساطير القديمة.
(1)
مشهد 1
مدينة برلين – 8 يوليو 2006
ليل/داخلي
يجلس جانلويجي بوفون في غرفته، بالقرب من التلفاز المُغلق صوته، ملامحه جامدة، يتابع على الشاشة قناة إيطالية تنقل خبر استقالة لوتشانو مودجي، المدير الرياضي لنادي يوفنتوس، والتحقيق القضائي المنتظر معه على خلفية التلاعب في نتائج الدوري الإيطالي.
الإضاءة خافتة في الغرفة، لا يُنير وجه «بوفون» إلا الضوء المُتغير الخارج من التلفاز، الرجل الذي خَلَقَ لتوه، مع حفنة من زملائه، واحدة من أعظم لحظات منتخب إيطاليا قبل 4 أيام فقط أمام ألمانيا، سيعيش الساعات القادمة في محاولة مستمرة للحفاظ على عقله من ألا ينفجر قلقاً بفعل ضغط المشاعر، بين توتر نهائي كأس العالم أمام فرنسا.. وبين البركان الذي يتظره في إيطاليا عند عودته، سواء كان حاملاً للكأسِ أو بدونه.
يفيق «بوفون» من أفكاره على صوتِ خبطات خافتة للغاية على باب الغرفة، يقترب منه، ويحاول الإنصات، قبل أن يستمع للطرقِ من جديد. يسأل بتوتر ملحوظ: «من على الباب؟».. نسمع صوت الطارق «إنه أنا.. فابيو». يتنفس «بوفون» بعمق ويفتح الباب. يدخل فابيو.. فابيو كانافارو.
بوفون: لماذا أنت مستيقظ حتى الآن؟ لو رآك «ليبي» ستكون كارثة
كانافارو: لم أستطع النوم مطلقاً، لابد أنك تعلم وإلا ما كنت مستيقظاً حتى الآن
*يهزّ بوفون رأسه.. يدخل كانافارو وينظر نحو التلفاز.. يتحرك بوفون ويغلقه سريعاً*
كانافارو: لا يمكن الهروب من الأخبار التي تأتي من هناك
بوفون: نعم فابيو.. الأمور صعبة قليلاً
كانافارو: قليلاً؟ إنها كارثية..مودجي استقال وسمعت أنه قد يذهب إلى السجن، لا أصدق أنهم يفعلون كل ذلك بينما نلعب في كأس العالم
بوفون: الأمور أكبر من قدرة أي شخص على إيقافها، هناك إعلام وقضاء وسياسة
كانافارو *متمتماً دون أن يوجه حديثه لأحد*: نعم.. نعم
بوفون: يجب أن نركز الآن في مباراة بعد غد، لا يمكن لأي شيء أن ينسينا أين نحن، كل ذلك سينسى وما سيذكره الجميع أن إيطاليا فازت بكأس العالم.. أو إيطاليا خسرت نهائي كأس العالم، لا أنوي التنازل عن ذلك طالما جئنا إلى برلين فعلاً
كانافارو: بالتأكيد، ولكن.. تعرف.. لا يمكن منع الأفكار من إثارة القلق، خصوصاً مع حدث بهذا الحجم، عقلي كاد أن ينفجر لذلك جئت إليك
*يرتمي على الكرسي بتعب*
كانافارو: لم أستطع الحديث مع أليساندرو، كان صامتاً جداً في التدريبات، أعرف أن اسمه جاء في التحقيقات
بوفون: نعم، هناك بعض أسماء اللاعبين، ولكن.. فابيو.. لا يجب أن نفكر في كل هذا.. أرجوك
كانافارو: نعم، "سيأتي الطوفان حين يأتي الطوفان"، كنت أسمعهم يقولون ذلك في «نابولي» وأنا صغير.. لم تتح ليَ الفرصة مسبقاً لاستخدام المَثل إلا الآن
*يصمتان قليلاً دون قدرة أي منهم على مُداراة التوتر، قبل أن يقطع كانافارو الصمت واقفاً*
كانافارو: سأذهب لمحاولة النوم، فقد أردت محادثة أي شخص خوفاً من أن أُجَن
*بضع خطوات نحو الباب قبل أن يتوقف ثانياً*
كانافارو: جيجي.. أريد سؤالك عن شيء أخير
بوفون: اسأل
كانافارو: لو صح الحكم بهبوط يوفي للدرجة الثالثة.. هل سنبقى في النادي؟
*يتنفس بوفون بقوة موجهاً نظره نحو اللا مكان قبل أن ينظر نحو كانافارو ويقول بثقِل حقيقي*
بوفون: لا أعرف يا فابيو
كانافارو: أقصد أن، السيد «كابيلو» غادر النادي رسمياً يوم الأربعاء، وحدثني في الهاتف يوم الخميس وأخبرني أنه قد يريدني معه في ريـال مدريد، وأنه سينتظر موافقتي بعد انتهاء البطولة والعودة لإيطاليا، وأنا.. لا أعرف.. الدرجة الثالثة شيء أقرب للكابوس
بوفون: لا يمكن لأحد أن يلوم على المغادرين حين تقارب السفينة على الغرق، إذا كنت تريد نصيحتي فحتى أنا لا أعرف ما قد يحدث، ولكن أتمنى فعلاً أن أمتلك القوة للبقاء حتى نصل إلى الشاطئ
أغلق «كانافارو» الباب دون أن يقول شيئاً، توجه «بوفون» بتعب نحو كرسيه، شغَّل التلفاز ثانية، وبدلاً من أخبار الـ«كالتشيوبولي» كانت القناة تنقل ملخَّص مباراة إيطاليا وألمانيا في مدينة «دورتموند»، على الشاشة كانت عروق «جيجي» نابضة وتكاد تنفجر بعد هدف «جروسو».. أما في الغرفة فملامحه لم تزل جامدة.. يتغير لونها تبعاً للضوء الخارج من الشاشة.
(قطع)
(2)
خيار البقاء لم يكن سهلاً كما يبدو الآن، القضية كانت كبيرة، الفوز بكأس العالم لم يخفف من جدية المساءلة القضائية للتلاعب في نتائج المباريات، «إيطاليا كانت تغلي كالجحيم»، والجميع كان يهرب من يوفنتوس ويذهب إلى مكانٍ جديد.
رافائيل بينتيز، مدرب ليفربول في ذلك الوقت، كان يرغب بشدة في التعاقد مع «بوفون»، أرسين فينجر راقب الموقف من بعيد ليرى احتمالية أن يحرس «جيجي» مرمى أرسنال، بعد أيام قليلة من الفوز بكأس العالم لم يكن هناك وقت للفرحة، بين الذهاب للتحقيق والمساءلة، وبين التفكير المستمر في القرار المصيري: البقاء أو الرحيل؟
سريعاً بدأت الأمور تتضح، من سيبقى ومن سيذهب، خروج فابيو كانافارو وليليان تورام وباتريك فييرا وكان عاصفاً، زلاتان إبراهيموفيتش كان يقاتل يومياً من أجل الذهاب نحو أحد أندية ميلان، بدا خشب السفينة يتشقق بعنف، ولكن قرار «القائد» أليساندرو ديل بييرو ومعه بول نيدفيد وديفيد تريزجيه بالبقاء منح كل مشجعي اليوفي في مدينة «تورينو» أملاً في أن ينتهي كل هذا، خصوصاً مع تقليل العقوبة من دوري الدرجة الثالثة إلى دوري الدرجة الثانية فقط، ما يعني أن عاماً واحداً في الظل ثم العودة إلى الدوري من جديد.
«بوفون» كان يعلم أن قراره بالبقاء سيمنحه ما هو أكثر من كونه «لاعباً مهماً»، سيصبح بطلاً شعبياً للمدينة، رمزاً للفريق، لن يغادر هنا أبداً. النادي سيصير بيتاً، والمشجعون أهلاً، وهو سينتهي هنا من قرار سيتخذه الآن.
وفي ظهيرة يوم حار جداً في «تورينيو»، خرج «بوفون» إلى الصحافة، بتاريخ 19 يوليو 2006، وأخبرهم بكلمة واحدة: «سأبقى».
(3)
مشهد 2
مدينة تورينو – أغسطس 2006
نهار/خارجي
«بوفون» يقف قرب حافلة اللاعبين، يقول أحد المساعدين للمدرب ديديه ديشامب، مدرب الفريق الجديد، أن «زلاتان إبراهيموفيتش» يجلس في غرفته يلعب الـ«بلاي-ستيشن» ويرفض القدوم.
تحرك «ديشامب» بغضبٍ شديد وهو يتمتم «سأقتل هذا الأحمق»، تبادل «بوفون» النظرات مع زملاءه الأكبر في الفريق.. «ديل بييرو» و«نيدفيد»، كانت تبدو الأمور موترة وضاغطة على الجميع.
نستمع لصيحات متعالية غير واضحة من داخل غرفة الفندق، يتحرك «بوفون» إلى الداخل
(قطع)
مشهد 3أ
ممر الفندق
نهار/داخلي
نتحرك مع «بوفون» في الممر، بينما الأصوات تصبح أوضح وليست مجرد صيحات، «ديشامب» كان يقول لـ«إبرا»: «أي نوع من عدم الاحترام اللعين الذي تبديه الآن؟ تجلس هنا لتلعب ونحن لدينا مباراة تحضيرية بعد قليل؟» فيجيب «إبرا»: «لقد قلت 100 مرة أنني لن ألعب أي مباراة وأنني أرغب في الانتقال.. اليوم قبل غدا»، «ديشامب» يصيح بجنون: «سنفرض عليك غرامة مالية، لن نبيعك وسنتركك لتتعفن في غرفتك اللعينة».
مع الجملة الأخيرة يكون «بوفون» قد وصل إلى الباب و«ديشامب» خارجاً منه، أقرب للجنون فعلاً، وحين يراه يقول له بصوتٍ عالي: «لا فائدة جيجي».. ويكمل حركته وهو يقول «سنتحرك بعد 5 دقائق».
الباب نصف مفتوح، و«بوفون» يدخل لـ«إبرا»
مشهد 3ب
غرفة إبراهيموفيتش
نهار/داخلي
«إبرا» يضغط على زر ليكمل اللعب على الـ«بلاي-ستيشن». يقول لـ«بوفون»: هل تريد أن تلعب معي هنا؟ لأني في الحقيقة لا أنوي اللعب معك هناك مرة أخرى
يتابعه «بوفون» لثوانٍ ثم يتحرك بخطوات بطيئة نحو التلفاز، يقف أمامه ويقول بصوت مُتصاعد: «إذا لم تكن تنوي اللعب معي مرة أخرى فلا مانع لدي» قبل أن يصل لدرجة الصراخ وهو يغلق التلفاز وينظر لـ«إبرا»: «ولكن الأقل يمكن أن تعاملني بالاحترام الكافي، لأجل عامين قضيناهم سوياً».
يبدو كل الأكسجين وكأنه قد انسحب من الغرفة في تلك اللحظة. «زلاتان» يشعر بالخجل.
إبرا: آسف جيجي. ولكن.. كما أخبرت الجميع.. لن أكمل هنا مهما حدث
*يبدو بوفون أهدأ بعد الاعتذار، يلتقط نفسه ثم يرد*
بوفون: سيكون من الغباء لو سألتك لماذا، ولكن.. زلاتان.. يمكن النظر للأمر من ناحية أخرى، أن تصبح رمزاً لهذا النادي، لن تنسى لك الجماهير ذلك أبداً أن بقيت
إبرا: جيجي، أنت لا تفهم، تلك سفينة غارقة، ما هو المفيد في أن تصبح قبطاناً لسفينة غارقة؟
بوفون –بعصبية-: هناك نيدفيد وأليساندرو وتريزجيه وأنا وتتحدث عن سفينة غارقة؟ حسناً.. إذا كنت منتمياً لتلك السفينة لن تسأل أصلاً هذا السؤال.. سيكون المهم أن ننقذها فقط.. أن نصل بها إلى الشاطئ
إبرا: أي شاطئ بحق الجحيم؟!! هل تدرك أننا.. أقصد أنكم الآن في الدرجة الثانية مع خصم 30 نقطة؟
بوفون: سنستأنف على ذلك وسيقل عدد النقاط، وسنعود للدرجة الأولى
إبرا: متى؟ بعد عام أو عامين؟ ثم ثلاثة أو أربعة أخرى للعودة إلى أوروبا؟ ربما 10 سنوات كاملة من أجل الفوز بالدوري من جديد أو تحقيق نتائج جيدة في دوري الأبطال؟
بوفون: نعم.. ربما
إبرا: تلك ليست خطة مناسبة لحياتي
بوفون: نعم، هي مناسبة لحياتي أنا *يفتح له التلفاز* لن أعطلك أكثر من ذلك.. يمكنك العودة للعب
يبدأ بوفون في التحرك لخارج الغرفة، يقاطعه صوت «إبراهيموفيتش»
إبرا: جيجي
*ينظر له بوفون*
إبرا: أنا الآن في السادسة والعشرين من عمري، لا يمكنني المخاطرة بأفضل سنواتي في كرة القدم في دوري الدرجة الثانية، سأكبر.. عضلاتي ستتعب.. لا أريد الندم على تلك السنين بعد ذلك
بوفون: مفهوم، ولكن.. هل تعلم لماذا قررت البقاء؟ لأنني أخاف أن أكبر.. عضلاتي تتعب.. لا أصبح «أفضل حارس في العالم» كما يعتبرونني الآن.. ثم ينساني الجميع.. فأندم على تلك السنين التي لم أقضها هنا
يتحرك «بوفون» خارج الغرفة، ويتابع «إبرا» حركته من شباك الغرفة، حتى ركوبه لحافلة اللاعبين
(قطع)
(4)
زلاتان إبراهيموفيتش قضى سنين حياته الكروية الأهم مرتحلاً بين 4 أندية، ولم يندم أبداً على ذلك الصَّخب الذي عاش فيه بعد مغادرة «تورينو» إلى الأبد.
بينما لم يَحْتج يوفنتوس لأكثر من عامٍ واحد من أجل العودة إلى دوري الدرجة الأولى بعد تقليص النقاط المخصومة منه لـ9 فقط بدلاً من 30.
«جيجي» حينها كان مكتفياً بصرخاتِ «الأهل» بالمدرجات في عطلة كل أسبوع طوال موسم كامل، كان من الغريب أن يتغير وضعه في خلال 3 أشهر من «أفضل حارس مرمى في المونديال» وأحد حَملة كأس العالم، إلى لاعب بالـ«سيريا ب»، ولكنه تعامل مع ذلك بحكمة، ولم يركز مع شيء إلا هؤلاء الذين بقى لأجلهم، «ظننت في البداية أنني سأشعر بالغرابة في الدرجة الثانية، والأمر مختلف قليلاً بالطبع، ولكن.. في النهاية إنها مباراة من 90 دقيقة ويجب علينا الفوز، الجمهور يشعرنا بأن شيئاً لم يتغير».
العودة للـ«سيريا أ»، رحيل «ديشان» وقدوم كلاوديو رانيري، إعادة هيكلة الفريق بلاعبين جدد، عصر سيطرة إنتر ميلان، العودة لأوروبا، المركز الثالث ثم الثاني في الدوري، اعتزال بول نيدفيد، رحيل كلاوديو رانيري، إنتر يفوز بالثلاثية، بينما اليوفي يترنح ويسقط للمركز السابع في موسم «فيراري» و«زاكيروني» الكارثي، ديفيد تريزجيه يرحل، ميلان يفوز بالدوري –رفقة زلاتان إبراهيموفيتش!-، بينما الـ«يوفي» يحتل المركز السابع مرة أخرى في موسم لويجي ديل نيري، 5 مواسم من الصعود والهبوط وتبديل المدربين ورحلة سيزيفية فاشلة من أجل البحث عن بطولة كل موسم.
ثم، وفي فترة التحضيرة لموسم 2011-12، اتخذت إدارة النادي قراراً غريباً بالتعاقد مع أنطونيو كونتي كمديرٍ فني للفريق، الرجل الذي يتمثل إنجازه الوحيد في الصعود مع سيينا من الدرجة الثانية للدرجة الأولى، وتعاقدت برفقته مع لاعب تخلى عنه إي.سي ميلان لأنه أصبح عجوزاً في الـ32 من عمره.. صديق قديم جداً لـ«بوفون» يدعى أندريا بيرلو.
كل الأمور كانت تشير لمزيدٍ من الترنح والسيزيفية، ما لم يكن يعرفه أحد أن تلك الخطوة الغريبة في التعاقد مع «كونتي» و«بيرلو» ستبدأ عصراً جديداً للنادي بأكمله.
(5)
مشهد 4
مدينة تورينو – 12 مايو 2012
استاد يوفنتوس
اللوحة الرئيسية للاستاد تُشير إلى نصف ساعة فقط على بدء مباراة الدوري الأخيرة ضد أتلانتا.
اللاعبون بدأوا التدريب في الملعب، وسط صيحات الجماهير، المذيع الداخلي للاستاد يتحدث بحماس عن أن الفوز أو التعادل في مباراة اليوم يجعل يوفنتوس هو الفريق الوحيد في تاريخ الدوري الإيطالي الذي يفوز بالبطولة دون هزيمة، وأن الدرع العائد بعد 6 سنوات كاملة سيتم تسليمه في الملعب، ليصبح الصورة الأخيرة التي ستتذكرها الجماهير عن أسطورتها أليساندرو ديل بييرو الذي سيغادر بعد تلك المباراة.
الصيحات لا تتوقف، يُحضّر المشجعون لدَخْلة في بداية المباراة، عن المَلك الذي عاد ملكاً، وأن تلك هي بطولة الدوري رقم 30 وليس رقم 28 كما تعلن وسائل الإعلام، المُناداة على اللاعبين، الواحد إثر الآخر، مع التوقف طويلاً طويلاً عند أسماء أليساندرو ديل بييرو وجانلويجي بوفون، أساطير النادي الباقية في رحلة الصعود والهبوط.
أنطونيو كونتي يحيي الجماهير هو الآخر، قبل أن يذهب في الملعب إلى «بوفون» و«بيرلو» ويطلب الحديث معهما لدقائق. يقف ثلاثتهم على جانب الملعب.
كونتي: حسناً، من كان يصدق؟
*ينظر للملعب بفخر*
كونتي: كنتما بطلي هذا الموسم، *ينظر لبيرلو* حين تعاقدنا معك في بداية الموسم قالت الصحافة أننا مجانين، أريد أن أعرف رأيهم الآن بعد أن لعبت 37 مباراة كاملة، أكثر من أي لاعب آخر في الفريق كله
بيرلو *بجدية*: ليس من المهم رأيهم، المهم أننا الأبطال
بوفون: منذ عام واحد كنت لأعتبر فوزنا بالبطولة ليس أكثر من وهم، من يصدق أنني منذ ست سنوات فقط كنت ألعب في الدرجة الثانية؟ والآن بطل إيطاليا من جديد
صياح الجمهور يتعالى بجنون كأنهم يستمعون لكلمات قائدهم
كونتي: لا يوجد شيء محدد أريد قوله لكم، أردت فقط أن أشكركم كثيراً على هذا الموسم
بعد المباراة ستكون الاحتفالات، وبعدها إجازة قصيرة، ثم ستذهبون إلى بولندا مع المنتخب ولن يكون هناك أي وقت لنتحدث
أريد أيضاً أن أشارككم بعض الأفكار، لدي آمال كبيرة للموسم المقبل، رحيل أليساندرو قاسٍ بالتأكيد ولكنه مهم لأجل الفريق، هو نفسه تفهم ذلك
ظروفنا المادية ليست جيدة ولكننا نحاول إبرام تعاقدات مفيدة للفريق بالميزانية القليلة، الصحف محقة بشأن كوادرو أسامواه وماوريسيو إيسلا، الأمور تسير جيداً مع «أودينيزي»، كذلك.. *يقترب منهم ويتحدث بصوت أخفت* هناك صفقة مهمة إن استطعنا إنهاءها دون مشاكل، لاعب في الـ19 من عمره ولكنه.. مذهل.. يعاني بعض المشاكل في مانشستر، تحدثت إليه وهو متحمس للعبِ لنا، سيكون إضافة عظيمة
*لاعبو الفريق يتركون الملعب من أجل تبديل ملابسهم استعداداً للمباراة التي على وشكِ البدء*
كونتي: لا أريد أن أعطلكم أكثر، أنا فقط متحمس جداً للمستقبل
الحصول على الدوري بعد محنة السنوات الأخيرة شيء عظيم، ولكن.. يوفنتوس أكبر من ذلك، العام القادم سيكون لدينا أوروبا هي الأولوية بالنسبة لنا
وجه «بيرلو» يظل جامداً، كعادته دائماً، رجل عصابات لا يظهر انفعالاته، بينما تَلمع عينا «جيجي» بشدة.
كونتي:أفهم قيمة دوري الأبطال بالنسبة لك يا جيجي، أنا أيضاً أتمنى تجربة الحصول عليه كمدرب، سيكون عليك أن تخبر اللاعبين عن شعور الفوز به يا أندريه
لنستمتع الآن بمباراتنا الأخيرة، ونذهب لنفعل شيئاً جيداً في بولندا، وحين تعودان.. نتحدث ثانياً
يشكرانه، يرفعان يديهما لتحية الجمهور مرة أخيرة قبل الذهاب لغرفة الملابس، يطلق «بوفون» صرخة قوية.. تحمل ثِقل السنوات الستة الأخيرة كلها.. عروقه النافرة تدفع الأدرينالين غصباً إلى المشجعين، إيطاليا كلها كانت تسمع صوت مدينة تورينو في تلك الظهيرة التي عاد فيها لقب الدوري إلى اليوفي.
(قطع)
(6)
برحيلِ «ديل بييرو»، أصبح «بوفون» هو الذكرى الوحيدة الباقية فوق أرض الملعب على رحلة يوفنتوس من القمة إلى القاع ثم إلى القمة من جديد.
و«بوفون» لم يعتمد فقط على «نوستالجيا» الذكريات، ولكنه، ورغم مرور السنين، ظل واحداً من أفضل حرَّاس العالم وأكثرهم قدرة على صنع الفارق في المواقف الأصعب.
عاد يوفنتوس كبطل إيطاليا مرة أخرى، لثلاثِ سنوات على التوالي، رفقة «كونتي»، الذي يستحق تمثالاً لما فعله من مجدٍ لنادٍ كاد أن يضيع.
العودة لأوروبا كانت جميلة، ظهور قوي في نسخة 2012-13، ثم آخر مخيب في 2013-14، رحيل «كونتي» في نهاية الموسم الأخير كان صاعقاً، الصحف تتحدث، الإعلام يشير إلى خلافات بشأن رغبة الإدارة في بيع «بوجبا» و«فيدال» ورفض المدرب، وفي النهاية رحل هو.. وبقوا هم.
لم يتفاءل أحد بـ«أليجري» عند التعاقد معه في بداية الموسم، خصوصاً مع بدايته المترنحة، قبل أن يضيف للفريق مرونة أكبر من تلك التي كانت موجودة في عهد «كونتي». لقب دوري رابع دون منافسة من أحد في ظل كل المشاكل التي تمر بها الفرق الإيطالية، وقرعة دوري الأبطال خدمت الفريق عند مقابلة الفريق لأسوأ نسخة من بروسيا دورتموند خلال السنوات الأخيرة في دور الـ16 ثم مواجهة موناكو.. أضعف فرق دور الثمانية، ثم؟ اليوفي في قبل نهائي دوري أبطال أوروبا.
كان الفريق الأقل حظوظاً وسط الأربعة، مواجهة ريـال مدريد كانت صعبة، ولكن الصراع البدني الذي اعتمد عليه «أليجري» أتى أثره في النهاية، حيوانات في وسط الملعب لا تتوقف عن الركض، «جرينتا» إيطالية في كل كرة، صورة «كيليني» وهو ينظر للاعبي الريال برأس مصابة وعينين حادتين تختصر كل شيء، وعروق «جيجي» النافرة، التي لم تتغير رغم مرور السنين، تحمل الحكاية كلها.
كم كرة أنقذها «بوفون» في مباراة الذهاب كي تنتهي 2-1؟ كم صيحة أطلقها في مباراة العودة كي يحمس زملاءه على المقاتلة والحفاظ على النتيجة 1-1؟ أي قلب امتلكه ليضخ كل هذا الأدرينالين في شوارع تورينيو بل وإيطاليا كلها وهي ترى فريقاً لها يتأهل للنهائي لأول مرة منذ عام 2010؟
يصيح بعروقٍ تكاد تنفجر.. يصيج من أجل الجميع؟ يصيح لأجلِ نفسه؟ يتذكر السنوات الصعبة التي تلت الفضيحة؟ أم تقتطع الذاكرة هذا الجزء ويعيش فقط سنوات المجد الأخيرة؟ هل هاتف «ديل بييرو» و«نيدفيد» و«تريزجيه» ليشكرهم «لكوننا بقينا معاً»؟ أم تحدث مع «إبراهيموفيتش» ليخبره أنه لم يندم أبداً وأن سنينه الأجمل قُضِيَت هنا؟
«بوفون» سيطير إلى برلين، سيتذكر المرة الأخيرة التي جاء إليها قبل 9 سنوات كاملة، كم كان الوضع صعباً والمَجد جميلاً، سيأمل كثيراً في الفوز على برشلونة ليلة السبت، ورفع دوري أبطال أوروبا في ألمانيا كما رفع كأس العالم قبل ذلك، سيقول لـ«بيرلو» و«بوجبا» و«ماركيزيو» والبقية تلك الجملة التي قالها لـ«كانافارو» ذات ليلة مُقْبضة: «، لا أنوي التنازل عن ذلك طالما جئنا إلى برلين فعلاً»، وستكون –إن حدث الفوز- نهاية مثالية للملحمة الممتدة منذ سنوات.
ولكن لو لم يفز.. ما الذي سيتغير؟ لا شيء.. سيبقى البطل بطلاً.. والملحمة ملحمة.. والحكاية مُستحقة لأن تُرْوَى.